غياب رمضان- هل الحل في الإجراءات أم دراسة الأسباب؟
المؤلف: نجيب يماني10.02.2025

تناولت في مقال سابق، عبر هذه المساحة، قضية عزوف الطلاب والطالبات عن الحضور إلى المدارس خلال شهر رمضان المبارك، وذلك تحت عنوان: "غياب الطلاب في رمضان.. أين مكمن الخلل؟!".
لقد غمرتني سعادة غامرة جراء هذا التجاوب الكبير والاهتمام اللافت الذي حظي به المقال، والاختلافات المتباينة في وجهات النظر حول الحلول والمقترحات التي طرحتها. كان هذا في صميم الهدف الذي قصدته من خلال طرح الموضوع، ألا وهو إخضاعه لنقاش مستفيض، واستجلاء الأسباب الكامنة وراءه، والكشف عن مواطن الضعف والقصور بهدف معالجتها بحكمة وتبصر؛ وبما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من العملية التعليمية في بيئة صحية وسليمة ومفعمة بالحيوية والتحفيز.
أثلج صدري تفاعل الدكتورة لطيفة الشعلان، عضو مجلس الشورى سابقاً، والتي أبدت رأيها عبر منصة التواصل الاجتماعي (X)، قائلة: "إننا نواجه أضخم ظاهرة غياب جماعي في تاريخ التعليم بالمملكة، ويعود السبب في ذلك إلى نظام الفصول الثلاثة والإجازات المطولة". كنت أتمنى لو أن أحد أعضاء مجلس الشورى الحاليين قد تبنى هذه المسألة، وجعلها محور نقاش فوري وعاجل، وذلك بهدف تقديم العون والمساعدة لوزارة التعليم في إيجاد الحلول المناسبة.
خالجني شعور بالإحباط والاستغراب عندما اطلعت على ما نشر في منصة (X) من أن [وزارة التعليم تصدر عدة إجراءات لضبط دوام المعلمين والمعلمات خلال شهر رمضان، بهدف تعزيز الانضباط ورفع مستوى الأداء في القطاع التعليمي].
أرى أن الوزارة بهذا التوجه "تقلل" من شأن الظاهرة، وتحصر علاجها في "عدة إجراءات" تستهدف "ضبط دوام المعلمين والمعلمات"، وكأنها بذلك تجري "العملية" في غير موضع "الداء".
فالمشكلة لا تقتصر على دوام المعلمين والمعلمات وحدهم، على الرغم مما في كلمة "ضبط" من انتقاص لحقوقهم، وتصويرهم بعدم تحمل المسؤولية، وهو ما يقلل من "التقدير والاحترام" الواجب لهم من قبل طلابهم والمجتمع بأكمله.
إن جوهر مشكلة الغياب يكمن في الطلاب والطالبات، وهذا يعكس بوضوح موقف "الأسر" مجتمعة، وتعبيرها عن عدم قدرتها على الوفاء بالتزام أبنائها وبناتها بالحضور إلى المؤسسات التعليمية، الأمر الذي تجاوز حدود "المشكلة" ليتحول إلى "ظاهرة" متفاقمة. وبالتالي، لا يمكننا أن نتوقع أن مجرد تطبيق "عدة إجراءات" سيكون كفيلاً بإعادة الأمور إلى نصابها، وضمان عودة العملية التعليمية إلى وضعها "الطبيعي". فكلمة "إجراءات" تحمل في طياتها "عقوبات" تستند إلى لوائح وقوانين مُعدة مسبقاً، وهذا لا يتوافق مع الضرورة الملحة للتفاعل مع "الظاهرة" بوعي جديد، والتفكير بشكل إبداعي يتجاوز الحلول التقليدية الجاهزة، والتعمق في فهم أسبابها ووضع الحلول المثلى لها. وهذا ما أكدت عليه في صلب مقالي السابق عبر [إخضاع هذه الظاهرة للدراسة المتأنية، وإشراك الأسر والطلاب والمعلمين والمشرفين التربويين، وكل من له صلة بالمنظومة التعليمية في استجلاء الأسباب، ووضع المعالجات التي تضمن سير العملية التعليمية في شهر رمضان، وفي غيره من الشهور، بصورة سلسة ومرنة ومثمرة للطلاب].
إن أي "إجراءات" تأديبية أو عقابية ستفرضها الوزارة على المعلمين والمعلمات "قد" تنجح في "إجبارهم" على الحضور إلى المدارس "مرغمين"، ولكنها لن تنجح في جعل هذا الحضور منتجاً ومفيداً. ولن نحصد حينئذٍ سوى مقاعد ممتلئة بالملل والتثاؤب، وخالية من الرغبة أو الطموح أو الشغف. فالجميع ينتظرون لحظة الانتهاء من الدوام الممل. والقصص المتداولة حول هذا الأمر خير دليل على ذلك. وسيظل الوضع على ما هو عليه طالما أن الجميع لديهم وجهة نظر تخالف ما تهدف إليه الوزارة.
بعد نشر مقالي السابق، تلقيت العديد من المكالمات الهاتفية، واستمعت إلى الكثير من الآراء، ولم أجد من بينها رأياً واحداً يؤيد موقف الوزارة، أو يدعم توجهها "المُصر" على تنفيذ خطتها التعليمية الموضوعة، وكأنها أمر غير قابل للمراجعة والتقييم والتعديل إلى ما هو أصلح وأنفع وأجدى، حتى نتمكن من تحقيق الغايات المنشودة من العملية التعليمية.
إن "الظاهرة" تحتاج بشدة إلى دراسة عميقة، وليس مجرد "عدة إجراءات" تتمحور حول الثواب والعقاب والخصم أو تقديم الهدايا للطلاب المواظبين.
فليس من المنطقي أو المقبول أن تعاقب الوزارة جميع الطلاب وأسرهم ومعلميهم ومعلماتهم بإجراءاتها، ولا تستمع إلى أسباب هذه الظاهرة أو تسعى إلى فهمها. فالاستماع إلى جميع الأطراف المعنية كفيل بوضع حلول مناسبة يتفق عليها الجميع. وليس في ذلك تقليل من سلطة وزارة التعليم أو تدخل في شؤونها، بل على العكس، سيزيد من مكانتها، ويؤكد أنها وزارة فاعلة ومتفاعلة مع القضايا المستجدة، ولديها من المرونة والحلول البديلة ما يمكّنها من تحقيق أهدافها واستراتيجياتها بأعلى درجات التميز والالتزام. فإن تعذر عليها استطلاع الآراء في كافة الإدارات التعليمية، وإشراك الأسر معها في ذلك، فلا أقل من أن تتفحص ما ينشر في منصات التواصل الاجتماعي، ففيها من المقترحات ما هو جدير بالاهتمام والمناقشة. لقد لمست في تفاعل القراء مع مقالي السابق تأييداً لفكرة تحويل العملية التعليمية في رمضان لتصبح عن بعد عبر منصة مدرستي. ولا شك عندي أن كثيرين آخرين لديهم مقترحات أخرى، قد تكون أكثر فائدة وأنسب للجميع، وبما يساعد الوزارة في المعالجة الحكيمة للظاهرة، بعيداً عن نتائج "الإجراءات" التي غالباً ما تنتهي إلى "عقوبات" تزيد المشكلة تعقيداً.
يقول البعض: لقد درسنا سابقاً في رمضان رغم قسوة الأيام وحرارة الطقس، وجيل اليوم يميل إلى الراحة والدعة والكسل. أقول لهم: إن الظروف تغيرت وتبدلت الأحوال، وظهرت مستجدات لم يعرفها من سبقونا، تغيرات في الزمان والمكان والأحوال وطرق العيش والمعاش، وإغراءات لا يستطيع جيل اليوم مقاومتها مهما كانت العقوبات قاسية.
لقد غمرتني سعادة غامرة جراء هذا التجاوب الكبير والاهتمام اللافت الذي حظي به المقال، والاختلافات المتباينة في وجهات النظر حول الحلول والمقترحات التي طرحتها. كان هذا في صميم الهدف الذي قصدته من خلال طرح الموضوع، ألا وهو إخضاعه لنقاش مستفيض، واستجلاء الأسباب الكامنة وراءه، والكشف عن مواطن الضعف والقصور بهدف معالجتها بحكمة وتبصر؛ وبما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من العملية التعليمية في بيئة صحية وسليمة ومفعمة بالحيوية والتحفيز.
أثلج صدري تفاعل الدكتورة لطيفة الشعلان، عضو مجلس الشورى سابقاً، والتي أبدت رأيها عبر منصة التواصل الاجتماعي (X)، قائلة: "إننا نواجه أضخم ظاهرة غياب جماعي في تاريخ التعليم بالمملكة، ويعود السبب في ذلك إلى نظام الفصول الثلاثة والإجازات المطولة". كنت أتمنى لو أن أحد أعضاء مجلس الشورى الحاليين قد تبنى هذه المسألة، وجعلها محور نقاش فوري وعاجل، وذلك بهدف تقديم العون والمساعدة لوزارة التعليم في إيجاد الحلول المناسبة.
خالجني شعور بالإحباط والاستغراب عندما اطلعت على ما نشر في منصة (X) من أن [وزارة التعليم تصدر عدة إجراءات لضبط دوام المعلمين والمعلمات خلال شهر رمضان، بهدف تعزيز الانضباط ورفع مستوى الأداء في القطاع التعليمي].
أرى أن الوزارة بهذا التوجه "تقلل" من شأن الظاهرة، وتحصر علاجها في "عدة إجراءات" تستهدف "ضبط دوام المعلمين والمعلمات"، وكأنها بذلك تجري "العملية" في غير موضع "الداء".
فالمشكلة لا تقتصر على دوام المعلمين والمعلمات وحدهم، على الرغم مما في كلمة "ضبط" من انتقاص لحقوقهم، وتصويرهم بعدم تحمل المسؤولية، وهو ما يقلل من "التقدير والاحترام" الواجب لهم من قبل طلابهم والمجتمع بأكمله.
إن جوهر مشكلة الغياب يكمن في الطلاب والطالبات، وهذا يعكس بوضوح موقف "الأسر" مجتمعة، وتعبيرها عن عدم قدرتها على الوفاء بالتزام أبنائها وبناتها بالحضور إلى المؤسسات التعليمية، الأمر الذي تجاوز حدود "المشكلة" ليتحول إلى "ظاهرة" متفاقمة. وبالتالي، لا يمكننا أن نتوقع أن مجرد تطبيق "عدة إجراءات" سيكون كفيلاً بإعادة الأمور إلى نصابها، وضمان عودة العملية التعليمية إلى وضعها "الطبيعي". فكلمة "إجراءات" تحمل في طياتها "عقوبات" تستند إلى لوائح وقوانين مُعدة مسبقاً، وهذا لا يتوافق مع الضرورة الملحة للتفاعل مع "الظاهرة" بوعي جديد، والتفكير بشكل إبداعي يتجاوز الحلول التقليدية الجاهزة، والتعمق في فهم أسبابها ووضع الحلول المثلى لها. وهذا ما أكدت عليه في صلب مقالي السابق عبر [إخضاع هذه الظاهرة للدراسة المتأنية، وإشراك الأسر والطلاب والمعلمين والمشرفين التربويين، وكل من له صلة بالمنظومة التعليمية في استجلاء الأسباب، ووضع المعالجات التي تضمن سير العملية التعليمية في شهر رمضان، وفي غيره من الشهور، بصورة سلسة ومرنة ومثمرة للطلاب].
إن أي "إجراءات" تأديبية أو عقابية ستفرضها الوزارة على المعلمين والمعلمات "قد" تنجح في "إجبارهم" على الحضور إلى المدارس "مرغمين"، ولكنها لن تنجح في جعل هذا الحضور منتجاً ومفيداً. ولن نحصد حينئذٍ سوى مقاعد ممتلئة بالملل والتثاؤب، وخالية من الرغبة أو الطموح أو الشغف. فالجميع ينتظرون لحظة الانتهاء من الدوام الممل. والقصص المتداولة حول هذا الأمر خير دليل على ذلك. وسيظل الوضع على ما هو عليه طالما أن الجميع لديهم وجهة نظر تخالف ما تهدف إليه الوزارة.
بعد نشر مقالي السابق، تلقيت العديد من المكالمات الهاتفية، واستمعت إلى الكثير من الآراء، ولم أجد من بينها رأياً واحداً يؤيد موقف الوزارة، أو يدعم توجهها "المُصر" على تنفيذ خطتها التعليمية الموضوعة، وكأنها أمر غير قابل للمراجعة والتقييم والتعديل إلى ما هو أصلح وأنفع وأجدى، حتى نتمكن من تحقيق الغايات المنشودة من العملية التعليمية.
إن "الظاهرة" تحتاج بشدة إلى دراسة عميقة، وليس مجرد "عدة إجراءات" تتمحور حول الثواب والعقاب والخصم أو تقديم الهدايا للطلاب المواظبين.
فليس من المنطقي أو المقبول أن تعاقب الوزارة جميع الطلاب وأسرهم ومعلميهم ومعلماتهم بإجراءاتها، ولا تستمع إلى أسباب هذه الظاهرة أو تسعى إلى فهمها. فالاستماع إلى جميع الأطراف المعنية كفيل بوضع حلول مناسبة يتفق عليها الجميع. وليس في ذلك تقليل من سلطة وزارة التعليم أو تدخل في شؤونها، بل على العكس، سيزيد من مكانتها، ويؤكد أنها وزارة فاعلة ومتفاعلة مع القضايا المستجدة، ولديها من المرونة والحلول البديلة ما يمكّنها من تحقيق أهدافها واستراتيجياتها بأعلى درجات التميز والالتزام. فإن تعذر عليها استطلاع الآراء في كافة الإدارات التعليمية، وإشراك الأسر معها في ذلك، فلا أقل من أن تتفحص ما ينشر في منصات التواصل الاجتماعي، ففيها من المقترحات ما هو جدير بالاهتمام والمناقشة. لقد لمست في تفاعل القراء مع مقالي السابق تأييداً لفكرة تحويل العملية التعليمية في رمضان لتصبح عن بعد عبر منصة مدرستي. ولا شك عندي أن كثيرين آخرين لديهم مقترحات أخرى، قد تكون أكثر فائدة وأنسب للجميع، وبما يساعد الوزارة في المعالجة الحكيمة للظاهرة، بعيداً عن نتائج "الإجراءات" التي غالباً ما تنتهي إلى "عقوبات" تزيد المشكلة تعقيداً.
يقول البعض: لقد درسنا سابقاً في رمضان رغم قسوة الأيام وحرارة الطقس، وجيل اليوم يميل إلى الراحة والدعة والكسل. أقول لهم: إن الظروف تغيرت وتبدلت الأحوال، وظهرت مستجدات لم يعرفها من سبقونا، تغيرات في الزمان والمكان والأحوال وطرق العيش والمعاش، وإغراءات لا يستطيع جيل اليوم مقاومتها مهما كانت العقوبات قاسية.